22 مايو 2011

حصان طروادة

في يوم ما، اتفقت الخيول على التجمع عند الأسوار الخارجية لمزرعتها التي لطالما عزلت عنها مطالبة بالدخول. تلك الأسوار التي أخدت تعلوا عبر السنوات. وبارتفاع صهيل الخيول بدأ ينضم إليها فصائل أخرى لتزداد الأعداد.
صعدت حرس مدعي امتلاك المزرعة على الأسوار العلوية تصوب أسلحتها بإتجاه الخيول لإخافتها وطردها ولم تنل تلك الجنود المراد فقد ثبتت الخيول وأصبحت الأعداد في زيادة مستمرة، بدأ إطلاق النيران لتتفرق الخيول ثم تعود مرة أخرى أقوى على الرغم من إصابة البعض.

جاء بعض الفرسان لا تعلم الخيول من أين ولوحت الفرسان للخيول بعلامات التأييد معلنة عن مؤازرتها لها في مطالبها بحقها في كسر الأسوار واسترداد موطنهم فرحت الخيول وتوجست فئة خيفة منهم لأنهم لم يتركوا لهم الفرصة للتشاور.

فتحت الأبواب للفرسان ودخلت الخيول من ورائهم ثم اختفي قادة الفرسان قليلا وعادوا ليطمئنوهم إن كل شيء تحت السيطرة وإن الخلاص من هؤلاء المعتدين قريب وعلى رأسهم كبير الإقطاعيين الذي يدير المزرعة المنهوبة، رقصت الخيول فرحا بنصرها وتحرير أرضها بعد سنوات الإقصاء والعزل وراقبت انتشار فرسانها بفرح في أرجاء المدينة وشعرت بالاطمئنان.

قضت الخيول ليلة من أسعد الليالي تتسامر وتحلم بغد ونسيت تماما الخيول المصابة ما فقدته إن كان إحدي عينيها أو طرف من أطرفها، اليوم عرس الأرض الحرة.

مرت ليلة الحلم الجميلة سريعا لتستيقظ الخيول في الصباح الباكر على أصوات الرصاص وصهيل الخيول، وتساءلت عماذا يحدث، فجرى إليهم أحد الفرسان وأخبرهم أن الإقطاعيين يحاولون استرداد الأرض ومعهم خيولهم ولكنهم قادرون على إحتواء الأمر.
لم تشأ الخيول أن تجعل هذا الاضطراب يطفئ عليها فرحتها وإن كان تسرب إليهم بعض القلق حول تصريح الفرسان بالقدرة السيطرة.
ظلت الخيول تراقب انتشار الفرسان من بعيد وكل ما راقبت كل ما خبت جذوة النصر وزاد القلق، فلا الفرسان تقبض على الإقطاعيين ولا تزود عن الخيول عندما تهاجمهم خيول الإقطاعيين.
بدأت بعض الخيول تختلف على موقف الفرسان وتعالت صيحاتهم ولاحظت بعض الخيول تبسم الفرسان واستمتاعها بالخلاف كأنه نغم في آذانهم، ومرت أيام على تقاعس الفرسان في القبض على الإقطاعيين والسيطرة على خيولهم وبدء تمكين الخيول المناضلة من المزرعة التي تحتاج إلى بذل الجهد لتعود كما كان. زادت الفرقة بين الخيول والخلاف أثناء النهار، ولكن بقدوم الليل ينذوى بعضهم منفردا مطأطئا رأسه يفكر ويتذكر أيام تجمعهم على أسوار المزرعة وهتافهم الذي كان يزلزل أرجاء هذا الكون، وتجمع البعض الآخر في مجموعات محاولة استيعاب ما يحدث ومقارنته بمطالبهم وما وعدهم الفرسان به.
كره البعض فرحه بالفرسان وكره اعتقاده في وقت سابق بأنهم في خندقا واحدا وتأكد أن توافقهم هو ضرب من المستحيل.
في بعض أيام الصباح، أحيانا بالتنظيم وأحيانا بالصدفة كانت تتجمع الخيول أمام البيت الذي اختاره الفرسان لهم مقرا وتعالت أصواتهم بالصهيل لتذكرهم بمطالبهم مشيرة إلى تباطؤهم، فكانت الاستجابة تحدث في بعض الأحيان ويتم تجاهلها بشتى الطرق الملتوية في كثير من الأحيان. وبدأ الفرسان يكشرون عن أنيابهم فهم يستخدمون السرج والحزام لتطويع بعض الخيول ويحتجزون بعضا آخر ممن ترفض أن تصبح مطية.

وكانت مجموعة من الخيول الجامحة المتطلعة للحرية تتطلع لأطراف المزرعة المجاورة، فهي تعلم إن هناك فصائل أخرى من الخيول محتجزة وعلمت أنهم أعدوا ليوم الحرية، فقررت المشاركة. وكان يوم الاصطدام الأكبر بين الخيول والفرسان بوضع الفرسان عراقيل لتسقط مجموعة الخيول وتطرحها أرضاـ وأبقتها لفترة منبطحة ودمعت أعين الخيل على أرض قاحلة من المزرعة تسرح وتفكر وتتسائل "من هؤلاء الفرسان؟ لماذا لم نتنبه من اليوم الأول؟ هل جاءتنا الفرسان من داخل أسوار المزرعة؟ أم أنها كما تدعي كانت في المعزل مثلنا؟ هل كان خروج كبير الإقطاعيين هو سدرة منتهاهم بحيث لا يعيروا اهتماما لأي من مطالبنا، لماذا يستضيفوا الإقطاعيين من مزارع الشمال والغرب ويأكدون على تعاونهم وإخلاصهم، لماذا لم تحضرنا حقيقة إنهم لايأكلوا مما تنبت هذه الأرض الطاهرة؟ فطعام هؤلاء الفرسان منحة من مزارع الغرب؟"
كانت الخيول قد قضت وقتا طويلة وجهها مثبتا في الأرض ودموعها تنساب وهي غارقة في تساؤلاتها، ثم أفاقت على عطر زكي يفوح من الأرض، لقد ارتوت الأرض القاحلة بدموعها الغزيرة ونبتت الزروع العشبية ذات الرائحة الآخاذة.. إنها رائحة الوطن الحر الممزوجة بعشق الأرض.

تجمعت الخيول الأخرى في الليل، حزينة تتسائل عن سبب انشقاقهم، عن تخاذل الفرسان، عن جلوس بعض الإقطاعيين في نفس المقهي مع الفرسان "لماذا لم نتنبه؟" "هل غشت الفرحة أعيننا عن الحقيقة؟" وتذكرت الأيام الأولى، أيام الأمجاد التي صنعتها وحدها وبتوفيق من خالق الكون، "كم نشتاق إليها!"
اتفقت الخيول على يوم غضب جديد، يوم فاصل إما الحرية أو الموت وتخضيب الأرض بالدماء الحرة، إنه يوم الخلاص، يوم الرحيل الحرية لأصحاب الأرض، لم يعد للفرسان دور، سنحاصر الإقطاعيين بأنفسنا فليعد الفرسان عند الأسوار الخارجية للمزرعة لحمايتها كما كان دائما دورهم. انتاب الرعب فصيل من الخيول فهم يريدون الانضمام إليهم في طلب رجوعهم إلى مواقعهم الأصلية، ولكن ماذا إذا لم ينتصروا هذه المرة؟ ماذا الفرسان فاعلة لهم؟ سيحرموا قطعا مما وعدوا به؟ أو ماذا إذا قرر الفرسان المكوث لفترة أطول عقابا لهم؟

وفي صباح يوم الخلاص، استيقظت الخيول على هذا الفصيل يقوم بحركات غير مفهمومة بركوعه إلى أسفل حيث البرك الطينية ثم يرتفع وينتظر حتى يجف، ثم بدا المنظر واضحا إن هذا الفصيل يريد أن يكون له شكلا مميزا حتى لا تحاسبه الفرسان على ما قد تقوم الخيول الأخرى من تصرفات هوجاء.

وتجمعت جميع الخيول متجهة نحو المقهى الذي تجلس به الفرسان مع الإقطاعيين، وتعالى صهيلها أعلى مما كان يوم غضبهم الأول تعالى حتى بلغت قلوب الفرسان الحناجر واختبأ الإقطاعيون كما تختبئ الجرذان، تعالى حتى شق عنان السماء، وسمع الكون هتافهم "لسنا أحصنة طروادة.. لم ندخل الأرض حاملين إلا الحرية بداخلنا.. لن نكون مطية لأحد.. لن نرتدي اللجام.. لا تفاوض سنسترد أرضنا كاملة.. عودوا إلى مواقعكم"
وقف الفرسان يحاولون التفاهم والتفاوض ولكن صوتهم بالكاد تسمعه من قوة صهيل الخيول، تقدمت الخيول نحو الفرسان صفوفا لا يرى آخرها وبدء الفرسان في التراجع والتقهقهر نحو أسوار المزرعة وإلى مواقعهم على أبوابها.
اجتمعت الخيول الحكيمة للتخطيط لكيفية التخلص من الشرذمة الباقية من الإقطاعيين ووضعت يدها على الصوامع ومخازن العلف وموارد المرزعة التي طالما استنفذت ولم يكن يصلهم منها إلا الفتات، وبقيت خيول أخرى تتابع خروج الفرسان إلى موقعهم للتأكد من عدم رجوعهم مرة أخرى للداخل وهاهي مجموعة بدأت تنسق كيفية إدارة المزرعة لتأمينها وإعادة الحياة إليها كما كانت، أبهى الأراضي التي تفيض بخيرها على كل من حولها، فالخيل جميعها عازمة إلى الذهاب يوما ما نحو أطراف المزرعة التي تربطها بالمزرعة المجاورة لتجديد المحاولة في تحريرها لأنهم يوقنون أنه لا كمال لحريتهم وأمنهم إلا بحرية الجوار"

عاشت الأرض حرة بأبنائها الأحرار

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق